http://www.alhawzaonline.com/almakta...abib/01/08.htm الصفحة التالية
مغني اللبيب ج1
فهرسة الكتاب
فهرس الكتب
ص 274
وزعم ابن الطراوة أن جواب لو لا أبدا هو خبر المبتدأ، ويرده أنه لا رابط بينهما. وإذا ولى لو لا مضمر فحقه أن يكون ضمير رفع، نحو (لو لا أنتم لكنا مؤمنين) وسمع قليلا (لولاى، ولولاك، ولولاه) خلافا للمبرد. [ثم] قال سيبويه والجمهور: هي جارة للضمير مختصة به، كما اختصت حتى والكاف بالظاهر، ولا تتعلق لو لا بشيء، وموضع المجرور بها رفع بالابتداء، والخبر محذوف. وقال الاخفش: الضمير مبتدأ، ولو لا غير جارة، ولكنهم أنابوا الضمير المخفوض عن المرفوع، كما عكسوا، إذ قالوا (ما أنا كأنت، ولا أنت كأنا) وقد أسلفنا أن النيابة إنما وقعت في الضمائر المنفصلة لشبهها في استقلالها بالاسماء الظاهرة، فإذا عطف عليه اسم ظاهر، نحو (لولاك وزيد) تعين رفعه، لانها لا تخفض الظاهر. الثاني: أن تكون للتحضيص والعرض فتختص بالمضارع أو ما في تأويله نحو (لو لا تستغفرون الله) ونحو (لو لا أخرتني إلى أجل قريب) والفرق بينهما أن التحضيص طلب بحث وإزعاح، والعرض طلب بلين وتأدب. والثالث: أن تكون للتوبيخ والتنديم فتختص بالماضي نحو (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء) (فلو لا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة) ومنه (ولو لا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا) إلا أن الفعل أخر، وقوله: 444 - تعدون عقر النيب أفضل مجدكم * بنى ضوطرى لو لا الكمى المقنعا إلا أن الفعل أضمر، إى لو لا عددتم، وقول النحويين (لو لا تعدون) مردود،
ص 275
إذ لم يرد أن يحضهم على أن يعدوا في المستقبل، بل المراد توبيخهم على ترك عده في الماضي، وإنما قال (تعدون) على حكاية الحال، فإن كان مراد النحويين مثل ذلك فحسن. وقد فصلت من الفعل بإذ وإذا معمولين له، وبجملة شرطية معترضة، فالاول نحو (ولو لا إذ سمعتموه قلتم) (فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) والثانى والثالث نحو (فلو لا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) (فلو لا إن كنتم غير مدينين ترجعونها) المعنى فهلا ترجعون الروح إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين، وحالتكم أنكم تشاهدون ذلك، ونحن أقرب إلى المحتضر منكم بعلمنا، أو بالملائكة، ولكنكم لا تشاهدون ذلك، ولو لا الثانية تكرار للاولى. الرابع: الاستفهام، نحو (لو لا أخرتني إلى أجل قريب) (لو لا أنزل عليه ملك) قاله الهروي، وأكثرهم لا يذكره، والظاهر أن الاولى للعرض، وأن الثانية مثل (لو لا جاؤا عليه بأربعة شهداء). وذكر الهروي أنها تكون نافية بمنزلة لم، وجعل منه (فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس) والظاهر أن المعنى على التوبيخ، أي فهلا كانت قرية واحدة من القرى المهلكة تابت عن الكفر قبل مجئ العذاب فنفعها ذلك، وهو تفسير الاخفش والكسائي والفراء وعلى بن عيسى والنحاس، ويؤيده قراءة أبى وعبد الله (فهلا كانت) ويلزم من هذا المعنى النفى، لان التوبيخ يقتضى عدم الوقوع، وقد يتوهم أن الزمخشري قائل بأنها للنفي لقوله: (والاستثناء منقطع بمعنى لكن، ويجوز كونه متصلا والجملة في معنى النفى، كأنه قيل: ما آمنت) ولعله إنما أراد ما ذكرنا، ولهذا قال (والجملة في معنى النفى (ولم يقل (ولو لا للنفي) وكذا قال في (لو لا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا):
ص 276
معناه نفى التضرع، ولكنه جئ بلو لا ليفاد أنهم لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التى زينها الشيطان لهم، اه فإن احتج محتج للهروى بأنه قرئ بنصب (قوم) على أصل الاستثناء، ورفعه على الابدال، فالجواب أن الابدال يقع بعد ما فيه رائحة النفى، كقوله: 445 - [وبالصريمة منهم منزل خلق] * عاف تغير إلا النؤى والوتد فرفع لما كان تغير بمعنى لم يبق على حاله، وأدق من هذه قراءة بعضهم (فشربوا منه إلا قليل منهم) لما كان شربوا منه في معنى فلم يكونوا منه، بدليل (فمن شرب منه فليس منى) ويوضح لك ذلك أن البدل في غير الموجب أرجح من النصب، وقد أجمعت السبعة على النصب في (إلا قوم يونس) فدل على أن الكلام موجب، ولكن فيه رائحة غير الايجاب، كما في قوله: * عاف تغير إلا النؤى والوتد * [445] تنبيه - ليس من أقسام (لو لا) الواقعة في نحو قوله: 446 - ألا زعمت أسماء أن لا أحبها * فقلت: بلى لو لا ينازعني شغلى لان هذه كلمتان بمنزلة قولك (لو لم) والجواب محذوف، أي لو لم ينازعني شغلى لزرتك، وقيل: بل هي لو لا الامتناعية، والفعل بعدها على إضمار (أن) على حد قولهم (تسمع بالمعيدى خير من أن تراه).
(لو ما)
بمنزلة لو لا، تقول: لو ما زيد لاكرمتك، وفى التنزيل ( لو ما تأتينا بالملائكة) وزعم المالقى أنها لم تأت إلا للتحضيض، ويرده قول الشاعر: 447 - لو ما الاصاخة للوشاة لكان لى * من بعد سخطك في رضاك رجاء
ص 277
(لم)
حرف جزم لنفى المضارع وقلبه ماضيا، نحو (لم يلد ولم يولد) الآية. وقد يرفع الفعل (المضارع) بعدها، كقوله: 448 - لولا فوارس من نعم وأسرتهم * يوم الصليفاء لم يوفون بالجار [ص 339] فقيل: ضرورة، وقال ابن مالك: لغة. وزعم اللحيانى أن بعض العرب ينصب بها كقراءة بعضهم (ألم نشرح) وقوله: 449 - في أي يومى من الموت أفر * أيوم لم يقدر أم يوم قدر وخرجا على أن الاصل (نشرحن) و (يقدرن) حذفت نون التوكيد الخفيفة وبقيت الفتحة دليلا عليها، وفى هذا شذوذان: توكيد المنفى بلم، وحذف النون لغير وقف ولا ساكنين، وقال أبو الفتح: الاصل يقدر بالسكون، ثم لما تجاورت الهمزة المفتوحة والراء الساكنة - وقد أجرت العرب الساكن المجاور للمحرك مجرى المحرك، والمحرك مجرى الساكن، إعطاء للجار حكم مجاوره - أبدلو الهمزة المحركة ألفا، كما تبدل الهمزة الساكنة بعد الفتحة، يعنى ولزم حينئذ فتح ما قبلها، إذ لا تقع الالف إلا بعد فتحة، قال: وعلى ذلك قولهم: المراة، والكماة بالالف، وعليه خرج أبو على قول عبد يغوث: 450 - [وتضحك منى شيخة عبشمية] * كأن لم ترا قبلى أسيرا يمانيا [ص 278] فقال: أصله ترأى - بهمزة بعدها ألف - كما قال سراقة البارقى: 451 - أرى عينى ما لم تر أياه * [كلانا عالم بالترهات] ثم حذفت الالف للجازم، ثم أبدلت الهمزة ألفا لما ذكرنا، وأقيس من تخريجهما أن يقال في قوله (أيوم لم يقدر): نقلت حركة همزة أم إلى راء يقدر، ثم أبدلت الهمزة
ص 278
- الساكنة ألفا، ثم الالف همزة متحركة لالتقاء الساكنين، وكانت الحركة فتحة إتباعا لفتحة الراء، كما في (ولا الضالين) فيمن همزه، وكذلك القول في (المراة والكماة) وقوله * كأن لم ترا قبلى أسيرا يمانيا * [450] ولكن لم تحرك الالف فيهن لعدم التقاء الساكنين. وقد تفصل من مجزومها في الضرورة بالظرف كقوله: 452 - فذاك ولم - إذا نحن امترينا - * تكن في الناس يدركك المراء وقوله: 453 - فأضحت مغانيها قفارا رسومها * كأن لم - سوى أهل من الوحش - تؤهل وقد يليها الاسم معمولا لفعل محذوف يفسره ما بعده كقوله: 454 - ظننت فقيرا ذا غنى ثم نلته * فلم ذا رجاء ألقه غير واهب
(لما)
على ثلاثة أوجه: أحدها: أنها تختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيا كلم، إلا أنها تفارقها في خمسة أمور: أحدها: أنها لا تقترون بأداة شرط، لا يقال (إن لما تقم) وفى التنزيل (وإن لم تفعل) (وإن لم ينتهوا). الثاني: أن منفيها مستمر النفى إلى الحال كقوله: 455 - فإن كنت مأكولا فكن خير آكل * وإلا فأدركني ولما أمزق
ص 279
ومنفى لم يحتمل الاتصال نحو (ولم أكن بدعائك رب شقيا) والانقطاع مثل (لم يكن شيءا مذكورا) ولهذا جاز (لم يكن ثم كان) ولم يجز (لما يكن ثم كان) بل يقال (لما يكن وقد يكون) ومثل ابن مالك للنفي المنقطع بقوله: 456 - وكنت إذ كنت إلهى وحدكا * لم يك شيء يا إلاهى قبلكا وتبعه ابنه فيما كتب على التسهيل، وذلك وهم فاحش. ولامتداد النفى بعد لما لم يجز اقترانها بحرف التعقيب، بخلاف لم، تقول قمت فلم تقم، لان معناه وما قمت عقيب قيامى، ولا يجوز (قمت فلما تقم) لان معناه وما قمت إلى الآن. الثالث: أن منفى لما لا يكون إلا قريبا من الحال، ولا يشترط ذلك في منفى لم، تقول: لم يكن زيد في العالم الماضي مقيما، ولا يجوز (لما يكن) وقال ابن مالك: لا يشترط كون منفى لما قريبا من الحال مثل (عصى إبليس ربه ولما يندم) بل ذلك غالب لا لازم. الرابع: أن منفى لما متوقع ثبوته، بخلاف منفى لم، ألا ترى أن معنى (بل لما يذوقوا عذاب) أنهم لم يذوقوه إلى الآن وأن ذوقهم له متوقع، قال الزمخشري في (ولما يدخل الايمان في قلوبكم): ما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنو فيها بعد، اه. ولهذا أجازوا (لم يقض مالا يكون) ومنعوه في لما. وهذا الفرق بالنسبة إلى المستقبل، فأما بالنسبة إلى الماضي فهما سيان في نفى المتوقع وغيره، مثال المتوقع أن تقول: مالى قمت ولم تقم، أو ولما تقم، ومثال غير المتوقع أن تقول ابتداء: لم تقم، أو لما تقم. الخامس: أن منفى لما جائر الحذف لدليل، كقوله:
ص 280
457 - فجئت قبورهم بدأ ولما * فناديت القبور فلم يجبنه أي، ولما أكن بدأ قبل ذلك، أي سيدا، ولا يجوز (وصلت إلى بغداد ولم) تريد ولم أدخلها، فأما قوله: 458 - احفظ وديعتك التى استودعتها * يوم الاعازب إن وصلت وإن لم فضرورة. وعلة هذه الاحكام كلها أن لم لنفى فعل، ولما لنفى قد فعل. الثاني من أوجه لما: أن تختص بالماضي، فتقتضى جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما، نحو (لما جاءني أكرمته) ويقال فيها: حرف وجود لوجود، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب، وزعم ابن السراج وتبعه الفارسى وتبعهما ابن جنى وتبعهم جماعة أنها ظرف بمعنى حين، وقال ابن مالك: بمعنى إذ، وهو حسن، لانها مختصة بالماضي وبالاضافة إلى الجملة. ورد ابن خروف على مدعى الاسمية بجواز أن يقال: لما أكرمتني أمس أكرمتك اليوم، لانها إذا قدرت ظرفا كان عاملها الجواب، والواقع في اليوم لا يكون في الامس. والجواب أن هذا مثل (إن كنت قلته فقد علمته) والشرط لا يكون إلا مستقبلا، ولكن المعنى إن ثبت أنى كنت قلته، وكذا هنا. المعنى لما ثبت اليوم إكرامك لى أمس أكرمتك. ويكون جوابها فعلا ماضيا انفاقا، وجملة اسمية مقرونة بإذا الفجائية أو بالفاء عند ابن مالك، وفعلا مضارعا عند ابن عصفور، دليل الاول (فلما نجاكم إلى البر
ص 281
أعرضتم) والثانى (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) والثالث (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد) والرابع (فلما ذهب عن ابراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا) وهو مؤول يجادلنا، وقيل في آية الفاء: إن الجواب محذوف، أي انقسموا قسمين فمنهم مقتصد، وفى آية المضارع إن الجواب (جاءته البشرى) على زيادة الواو، أو محذوف، أي أقبل يجادلنا. ومن مشكل لما هذه قول الشاعر: 459 - أقول لعبد الله لما سقاؤنا * ونحن بوادي عبد شمس وهاشم فيقال: أين فعلاها ؟ والجواب أن (سقاؤنا) فاعل بفعل محذوف يفسره وهى بمعنى سقط، والجواب محذوف تقديره قلت، بدليل قوله أقول، وقوله (شم) أمر من قولك (شمت البرق) إذا نظرت إليه، والمعنى لما سقط سقاؤنا قلت لعبد الله شمه. والثالث: أن تكون حرف استثناء، فتدخل على الجملة الاسمية، نحو (إن كل نفس لما عليها حافظ) فيمن شدد الميم، وعلى الماضي لفظا لا معنى نحو (أنشدك الله لما فعلت) أي ما أسألك إلا فعلك، قال: 460 - قالت له: بالله يا ذا البردين * لما غنثت نفسا أو اثنين وفيه رد لقول الجوهرى: إن لما بمعنى إلا غير معروف في اللغة. وتأتى لما مركبة من كلمات، ومن كلمتين. فأما المركبة من كلمات فكما تقدم في (وإن كلا لما ليوفينهم ربك) في قراءة ابن عامر وحمزة وحفص بتشديد نون إن وميم لما، فيمن قال: الاصل لمن ما
ص 282
فأبدلت النون ميما وأدغمت، فلما كثرت الميمات حذفت الاولى، وهذا القول ضعيف، لان حذف مثل هذا الميم استثقالا لم يثبت، وأضعف منه قول آخر: إن الاصل لما بالتنوين بمعنى جمعا، ثم حذف التنوين إجراء للوصل مجرى الوقف، لان استعمال لما في هذا المعنى بعيد، وحذف التنوين من المنصرف في الوصل أبعد، وأضعف من هذا قول آخر: إنه فعلى من اللمم، وهو بمعناه، ولكنه منع الصرف لالف التأنيث، ولم يثبت استعمال هذه اللفظة، وإذا كان فعلى فهلا كتب بالياء، وهلا أماله من قاعدته الامالة، واختار ابن الحاجب أنها لما الجازمة حذف فعلها، والتقدير: لما يهملو، أو لما يتركوا، لدلالة ما تقدم من قوله تعالى (فمنهم شقى وسعيد) ثم ذكر الاشقياء والسعداء ومجازاتهم، قال: ولا أعرف وجها أشبه من هذا، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في التنزيل، والحق أن لا يستبعد لذلك، ا ه. وفى تقديره نظر، والاولى عندي أن يقدر (لما يوفوا اعمالهم) أي أنهم إلى الآن لم يوفوها وسيوفونها، ووجه رجحانه أمران، أحدهما: أن بعده (ليوفينهم) وهو دليل على أن التوفية لم تقع بعد وأنها ستقع، والثانى: أن منفى لما متوقع الثبوت كما قدمنا، والاهمال غير متوقع الثبوت. وأما قراءة أبى بكر بتخفيف (أن) وتشديد (لما) فتحتمل وجهين، أحدهما: أن تكون مخففة من الثقيلة، ويأتى في لما تلك الاوجه، والثانى: أن تكون أن نافية، و (كلا) مفعول بإضمار أرى، ولما بمعنى إلا. وأما قراءة النحويين بتشديد النون وتخفيف الميم وقراءة الحرميين بتخفيفهما فإن في الاولى على أصلها من التشديد ووجوب الاعمال، وفى الثانية مخففة من الثقيلة، وأعملت على أحد الوجهين، واللام من لما فيهما لام الابتداء، وقيل: أو هي في قراءة التخفيف الفارقة بين إن النافية، والمخففة من الثقيلة وليس كذلك، لان تلك إنما تكون عند تخفيف إن وإهمالها، وما زائدة للفصل بين اللامين كما زيدت الالف
ص 283
للفصل بين الهمزتين في نحو (أأنذرتهم) وبين النونات في نحو (اضربنان يا نسوة) قيل: وليست موصولة بجملة القسم لانها إنشائية، وليس كذلك، لان الصلة في المعنى جملة الجواب، وإنما جملة القسم مسوقة لمجرد التوكيد، ويشهد لذلك قوله تعالى (وإن منكم لمن ليبطئن) لا يقال: لعل من نكرة أي لفريق ليبطئن، لانها حينئذ تكون موصوفة، وجملة الصفة كجملة الصلة في اشتراط الخبرية: وأما المركبة من كلمتين فكقوله: 461 - لما رأيت أبا يزيد مقاتلا * أدع القتال وأشهد الهيجاء [ص 529 و 694] وهو لغز، يقال فيه: أين جواب لما ؟ وبم انتصب أدع ؟ وجواب الاول أن الاصل (لن ما) ثم أدغمت النون في الميم للتقارب، ووصلا خطا للالغاز، وإنما حقهما أن يكتبا منفصلين ونظيره في الالغاز قوله: 462 - عافت الماء في الشتاء، فقلنا * برديه تصادفيه سخينا فيقال: كيف يكون التبريد سببا لمصادفته سخينا ؟ وجوابه أن الاصل (بل رديه) ثم كتب على لفظه للالغاز، وعن الثاني أن انتصابه بلن، وما الظرفية وصلتها ظرف له فاصل بينه وبين لن للضرورة، فيسأل حينئذ: كيف يجتمع قوله لن أدع القتال مع قوله لن أشهد الهيجاء ؟ فيجاب بأن أشهد ليس معطوفا على أدع، بل نصبه بأن مضمرة، وأن والفعل عطف على القتال، أي لن أدع القتال وشهود الهيجاء على حد قول ميسون: * ولبس عباءة وتقر عينى * [425]
ص 284
(لن)
حرف نصب ونفى واستقبال، وليس أصله وأصل لم لا فأبدلت الالف نونا في لن وميما في لم خلافا للفراء، لان المعروف إنما هو إبدال النون ألفا لا العكس نحو (لنسفعا) و (ليكونا) ولا أصل لن (لا أن) فحذفت الهمزة تخفيفا والالف للساكين خلافا للخليل والكسائي، بدليل جواز تقديم معمول معمولها عليها نحو (زيدا لن أضرب) خلافا للاخفش الصغير، وامتناع نحو (زيد يعجبنى أن تضرب) خلافا للفراء، ولان الموصول وصلته مفرد، ولن أفعل كلام تام، وقول المبرد إنه مبتدأ حذف خبره أي لا الفعل واقع مردود بأنه لم ينطق به مع أنه لم يسد شيء مسده، بخلاف نحو لولا زيد لاكرمتك وبأن الكلام تام بدون المقدر، وبأن لا الداخلة على الجملة الاسمية واجبة التكرار إذا لم تعمل، ولا التفات له في دعوى عدم وجوب ذلك، فإن الاستقراء يشهد بذلك. ولا تفيد لن توكيد النفى خلافا للزمخشري في كشافه، ولا تأييده خلافا له في أنموذجه، وكلاهما دعوى بلا دليل، قيل: ولو كانت للتأييد لم يقيد منفيها باليوم في (فلن أكلم اليوم إنسيا) ولكان ذكر الابد في (ولن يتمنوه أبدا) تكرارا، والاصل عدمه. وتأتى للدعاء كما أتت لا لذلك وفاقا لجماعة منهم ابن عصفور، والحجة في قوله: 463 - لن تزالوا كذلكم ثم لازلت لكم خالدا خلود الجبال وأما قوله تعالى (قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين) فقيل: ليس منه، لان فعل الدعاء لا يسند إلى المتكلم، بل إلى المخاطب أو الغائب، نحو يا رب لا عذبت فلانا ونحو لا عذب الله عمرا اه ويرده قوله: * ثم لازلت لكم خالدا خلود الجبال * [463] وتلقى القسم بها وبلم نادر حدا، كقول أبى طالب:
ص 285
464 - والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد في التراب دفينا [ص 618] وقيل لبعضهم: ألك بنون ؟ فقال: نعم، وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة، ويحتمل هذا أن يكون على حذف الجواب، أي إن لى لبنين، ثم استأنف جملة النفى. وزعم بعضهم أنها قد تجزم كقوله: 465 - [أيادى سبايا عزما كنت بعدكم] * فلن يحل للعينين بعدك منظر وقوله: 466 - لن يخب الان من رجائك من * حرك من دون بابك الحلقه [ص 698]. والاول محتمل للاجتزاء بالفتحة عن الالف للضرورة.
(ليت)
حرف تمن يتعلق بالمستحيل غالبا، كقوله: 467 - فيا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب وبالممكن قليلا. وحكمه أن ينصب الاسم ويرفع الخبر، قال الفراء وبعض أصحابه: وقد ينصبهما كقوله: 468 - * يا ليت أيام الصبا رواجعا * وبنى على ذلك ابن المعتز قوله: 469 - مرت بنا سحرا طير، فقلت لها: طوباك، يا ليتنى إياك، طوباك والاول عندنا محمول على حذف الخبر، وتقديره أقبلت، لا تكون، خلافا للكسائي لعدم تقدم إن ولو الشرطيتين، ويصح بيت ابن المعتز على إنابة ضمير النصب عن ضمير الرفع.
ص 286
وتقترن بها ما الحرفية فلا تزيلها عن الاختصاص بالاسماء. لا يقال ليتما قام زيد خلافا لابن أبى الربيع وطاهر القزويني، ويجوز حينئذ إعمالها لبقاء الاختصاص، وإهمالها حملا على أخواتها، ورووا بالوجهين قول النابغة: قالت،: ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد [92] ويحتمل أن الرفع على أن ما موصولة، وأن الاشارة خبر لهو محذوفا، أي ليت الذى هو هذا الحمام لنا، فلا يدل حينئذ على الاهمال، ولكنه احتمال مرجوح، لان حذف العائد المرفوع بالابتداء في صلة غير أي مع عدم طول الصلة قليل، ويجوز ليتما زيدا ألقاه على الاعمال، ويمتنع على إضمار فعل على شريطة التفسير.
(لعل)
حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، قال بعض أصحاب الفراء: وقد ينصبهما، وزعم يونس أن ذلك لغة لبعض العرب وحكى لعل أباك منطلقا وتأويله عندنا على إضمار يوجد، وعند الكسائي على إضمار يكون. وقد مر أن عقيلا يخفضون بها المبتدأ كقوله: 470 - [فقلت: ادع أخرى وارفع الصوت جهرة] * لعل أبى المغوار منك قريب [ص 441] وزعم الفارسى أنه لا دليل في ذلك، لانه يحتمل أن الاصل لعله لابي المغوار منك جواب قريب فحذف موصوف قريب، وضمير الشأن، ولام لعل الثانية تخفيفا، وأدغم الاولى في لام الجر، ومن ثم كانت مكسورة، ومن فتح فهو على لغة من يقول المال لزيد بالفتح، وهذا تكلف كثير، ولم يثبت تخفيف لعل، ثم هو محجوج بنقل الائمة أن الجر بلعل لغة قوم بأعيانهم. واعلم أن مجرور لعل في موضع رفع بالابتداء لتنزيل لعل منزلة الجار الزائد نحو بحسبك درهم بجامع ما بينهما من عدم التعلق بعامل، وقوله قريب هو خبر ذلك المبتدأ، ومثله لولاى لكان كذا على قول سيبويه إن لولا جارة،
ص 287
وقولك رب رجل يقول ذلك ونحوه قوله: 471 - [فكيف إذا مررت بدار قوم] * وجيران لنا كانوا كرام على قول سيبويه إن كان زائدة، وقول الجمهور إن الزائد لا يعمل شيءا، فقيل: الاصل هم لنا ثم وصل الضمير بكان الزائد إصلاحا للفظ، لئلا يقع الضمير المرفوع المنفصل إلى جانب الفعل، وقيل: بل الضمير توكيد للمستتر في لنا على أن لنا صفة لجيران، ثم وصل لما ذكر، وقيل: بل هو معمول لكان بالحقيقة، فقيل: على أنها ناقصة ولنا الخبر، وقيل: بل على أنها زائدة وأنها تعمل في الفاعل كما يعمل فيه العامل الملغى نحو زيد ظننت عالم . وتتصل بلعل ما الحرفية فتكفها عن العمل، لزوال اختصاصها حينئذ، بدليل قوله: 472 - [أعد نظرا يا عبد قيس] لعلما * أضاءت لك النار الحمار المقيدا [ص 288] وجوز قوم إعمالها حينئذ حملا على ليت، لاشتراكهما في أنهما يغيران معنى الابتداء، وكذا قالوا في كأن، وبعضهم خص لعل بذلك، لاشدية التشابه لانها وليت للانشاء، وأنها كأن فللخبر. قيل: وأول لحن سمع بالبصرة لعل لها عذر وأنت تلوم وهذا محتمل لتقدير ضمير الشأن كما تقدم في إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون . وفيها عشر لغات مشهورة، ولها معان: أحدها: التوقع، وهو: ترجى المحبوب والاشفاق من المكروه، نحو لعل الحبيب قادم (1)، ولعل الرقيب حاصل وتختص بالممكن، وقول فرعون (لعلى أبلغ الاسباب أسباب السموات) إنما قاله جهلا أو مخرقة وإفكا.
(هامش)
(1) في نسخة الحبيب يقدم . (*)
ص 288
الثاني: التعليل، أثبته جماعة منهم الاخفش والكسائي، وحملوا عليه (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) ومن لم يثبت ذلك يحمله على الرجاء، ويصرفه للمخاطبين، أي اذهبا على رجائكما. الثالث: الاستفهام، أثبته الكوفيون، ولهذا علق بها الفعل في نحو (لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) ونحو (وما يدريك لعله يزكى) قال الزمخشري: وقد أشرتها معنى ليت من قرأ (فأطلع) اه. وفى الآية بحث سيجئ. ويقترن خبرها بأن كثيرا حملا على عسى كقوله: 473 لعلك يوما أن تلم ملمة * [عليك من اللائى يدعنك أجدعا] وبحرف التنفيس قليلا كقوله: 474 - فقولا لها قولا رقيقا لعلها سترحمني من زفرة وعويل وخرج بعضهم نصب (فأطلع) على تقدير أن مع أبلغ كما خفض المعطوف من بيت زهير: بدا لى أنى لست مدرك ما مضى * ولا سابق شيءا إذا كان جائيا [135] على تقدير الباء مع مدرك. ولا يمتنع كون خبرها فعلا ماضيا خلافا للحريري، وفى الحديث وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شيءتم فقد غفرت لكم وقال الشاعر: 475 وبدلت قرحا داميا بعد صحة * لعل منايانا تحولن أبؤسا وأنشد سيبويه: أعد نظرا يا عبد قيس لعلما * أضاءت لك النار الحمار المقيد [472]
ص 289
فإن اعترض بأن لعل هنا مكفوفة بما، فالجواب أن شبهة المانع أن لعل للاستقبال فلا تدخل على الماضي، ولا فرق على هذا بين كون الماضي معمولا لها أو معمولا لما في حيزها، ومما يوضح بطلان قوله ثبوت ذلك في خبر ليت وهى بمنزلة لعل نحو (يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) (يا ليتنى كنت ترابا) (يا ليتنى قدمت لحياتي) (يا ليتنى كنت معهم). تنبيه - من مشكل باب ليت وغيره قول يزيد بن الحكم: 476 - فليت كفافا كان خيرك كله * وشرك عنى ما ارتوى الماء مرتوى وإشكاله من أوجه، أحدها: عدم ارتباط خبر ليت باسمها، إذ الظاهر أن كفافا اسم ليت، وأن كان تامة، وأنها وفاعلها الخبر، ولا ضمير في هذه الجملة. والثانى: تعليقه عن بمرتو. والثالث: إيقاعه الماء فاعلا بارتوى، وإنما يقال: ارتوى الشارب. والجواب عن الاول أن كفافا إنما هو خبر لكان مقدم عليها وهو بمعنى كاف، واسم ليت محذوف للضرورة، أي فليتك أو فليته: أي فليت الشأن، ومثله قوله: 477 - فليت دفعت الهم عنى ساعة * [فبتنا على ما خليت ناعمى بال] وخيرك: اسم كان، وكله: توكيد له، والجملة خبر ليت، وأما وشرك فيروى بالرفع عطفا على خيرك فخبره إما محذوف تقديره كفافا، فمرتو: فاعل بارتوى، وإما مرتو على أنه سكن للضرورة كقوله: 478 - ولو أن واش باليمامة داره * ودارى بأعلى حضرموت اهتدى ليا وروى بالنصب: إما على أنه اسم لليت محذوفة، وسهل حذفها تقدم ذكرها، كما سهل ذلك حذف كل وبقاء الخفض في قوله: (19 - مغنى اللبيب 1)
ص 290
479 - أكل امرئ تحسبين امرأ * ونار توقد بالليل نارا وإما على العطف على اسم ليت المذكورة إن قدر ضمير المخاطب، فأما ضمير الشأن فلا يعطف عليه لو ذكر فكيف وهو محذوف، ومرتوي على الوجهين مرفوع: إما لانه خبر ليت المحذوفة، أو لانه عطف على خبر ليت المذكورة. وعن الثاني بأنه ضمن مرتو معنى كاف: لان المرتوي يكف عن الشرب، كما جاء (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) لان يخالفون في معنى يعدلون ويخرجون، وإن علقته بكفافا محذوفا على وجه مر ذكره فلا إشكال. وعن الثالث أنه إما على حذف مضاف أي شارب الماء، وإما على جعل الماء مرتويا مجازا كما جعل صاديا في قوله: 480 - * وجبت هجيرا يترك الماء صاديا * ويروى الماء بالنصب على تقدير من كما في قوله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلا) ففاعل ارتوى على هذا مرتو، كما تقول: ما شرب الماء شارب.
(لكن) مشددة النون
حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، وفى معناها ثلاثة أقوال: أحدها، وهو المشهور: أنه واحد، وهو الاستدراك، وفسر بأن تنسب لما بعدها حكما مخالفا لحكم ما قبلها، ولذلك لابد أن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها نحو ما هذا ساكنا لكنه متحرك أو ضد له نحو ما هذا أبيض لكنه أسود قيل: أو خلاف نحو ما زيد قائما، لكنه شارب وقيل: لا يجوز ذلك. والثانى: أنها ترد تارة للاستدراك وتارة للتوكيد، قاله جماعة منهم صاحب
ص 291
البسيط، وفسروا الاستدراك برفع ما يتوهم ثبوته نحو ما زيد شجاعا، لكنه كريم لان الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان، فنفى أحدهما يوهم انتفاء الآخر ، و ما قام زيد، لكن عمرا قام وذلك إذا كان بين الرجلين تلابس أو تماثل في الطريقة، ومثلوا للتوكيد بنحو لو جاءني أكرمته لكنه لم يجئ فأكدت ما أفادته لو من الامتناع. والثالث: أنها للتوكيد دائما مثل إن، ويصحب التوكيد معنى الاستدراك، وهو قول ابن عصفور، قال في المقرب: إن وأن ولكن، ومعناها التوكيد، ولم يزد على ذلك، وقال في الشرح: معنى لكن التوكيد، وتعطى مع ذلك الاستدراك، اه. والبصريون على أنها بسيطة، وقال الفراء: أصلها لكن أن، فطرحت الهمزة للتخفيف، ونون لكن للساكنين، كقوله: 481 - [فلست بآتيه ولا أستطيعه] * ولاك اسقنى إن كان ماؤك ذا فضل (1) وقال باقى الكوفيين: مركبة من: لا، وإن، والكاف الزائدة لا التشبهية، وحذفت الهمزة تخفيفا وقد يحذف اسمها كقوله: 482 - فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي * ولكن زنجى عظم المشافر أي ولكنك زنجى، وعليه بيت المتنبي: 483 - وما كنت ممن يدخل العشق قلبه * ولكن من يبصر جفونك يعشق [ص 605] وبيت الكتاب:
(هامش)
(1) أصله ولكن اسقنى والاصل أن يتخلص من التقاء الساكنين بكسر نون لكن، فلما لم يتيسر ذلك له حذف أول الساكنين، وهو نون لكن. (*)
ص 292
484 - ولكن من لا يلق أمرا ينوبه * بعدته ينزل به وهو أعزل ولا يكون الاسم فيهما من، لان الشرط لا يعمل فيه ما قبله ولا تدخل اللام في خبرها خلافا للكوفيين، احتجوا بقوله: * ولكننى من حبها لعميد * [383] ولا يعرف له قائل، ولا تتمة، ولا نظير، ثم هو محمول على زيادة اللام، أو على أن الاصل لكن أننى ثم حذفت الهمزة تخفيفا ونون لكن للساكنين.
(لكن) ساكنة النون
ضربان: مخففة من الثقيلة، وهى حرف ابتداء، لا يعمل خلافا للاخفش ويونس، لدخولها بعد التخفيف على الجملتين، وخفيفة بأصل الوضع، فإن وليها كلام فهى حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك، وليست عاطفة، ويجوز أن تستعمل بالواو، نحو (ولكن كانوا هم الظالمين) وبدونها نحو قول زهير: 485 - إن ابن ورقاء لا تخشى بوادره * لكن وقائعه في الحرب تنتظر وزعم ابن أبى الربيع أنها حين اقترانها بالواو عاطفة جملة على جملة، وأنه ظاهر قول سيبويه، وإن وليها مفرد فهى عاطفة بشرطين: أحدهما: أن يتقدمها نفى أو نهى، نحو ما قام زيد لكن عمرو، ولا يقم زيد لكن عمرو فإن قلت قام زيد ثم جئت بلكن جعلتها حرف ابتداء فجئت بالجملة فقلت لكن عمرو لم يقم وأجاز الكوفيون لكن عمرو على العطف، وليس بمسموع. الشرط الثاني: أن لا تقترن بالواو، قاله الفارسى وأكثر النحويين، وقال قوم: لا تستعمل مع المفرد إلا بالواو. واختلف في نحو ما قام زيد ولكن عمرو على أربعة أقوال، أحدها
ص 293
ليونس: إن لكن غير عاطفة، والواو عاطفة مفردا على مفرد، الثاني لابن مالك: إن لكن غير عاطفة والواو عاطفة لجملة حذف بعضها على جملة صرح بجميعها، قال: فالتقدير في نحو ما قام زيد ولكن عمرو ولكن قام عمرو، وفى (ولكن رسول الله) ولكن كان رسول الله، وعلة ذلك أن الواو لا تعطف مفردا على مفرد مخالف له في الايجاب والسلب، بخلاف الجملتين المتعاطفتين فيجوز تخالفهما فيه، نحو قام زيد ولم يقم عمرو والثالث لابن عصفور: إن لكن عاطفة، والواو زائدة لازمة. والرابع لابن كيسان: إن لكن عاطفة، والواو زائدة غير لازمة. وسمع ما مررت برجل صالح ولكن صالح بالخفض، فقيل: على العطف، وقيل: بجار مقدر، أي لكن مررت بطالح، وجاز إبقاء عمل الجار بعد حذفه لقوة الدلالة عليه بتقدم ذكره.
(ليس)
كلمة دالة على نفى الحال، وتنفى غيره بالقرينة، نحو ليس خلق الله مثله وقول الاعشى: 486 - له نافلات ما يغب نوالها * وليس عطاء اليوم مانعه غدا وهى فعل لا يتصرف، وزنه فعل بالكسر، ثم التزم تخفيفه (1)، ولم نقدره فعل بالفتح لانه لا يخفف، ولا فعل بالضم لانه لم يوجد في يائى العين إلا في هيؤ، وسمع لست بضم اللام، فيكون على هذه اللغة كهيؤ. وزعم ابن السراج أنه حرف بمنزلة ما، وتابعه الفارسى في الحلبيات وابن شقير وجماعة، والصواب الاول، بدليل لست ولستما ولستن وليسا وليسوا وليست ولسن. وتلازم رفع الاسم ونصب الخبر، وقيل: قد تخرج عن ذلك في مواضع:
(هامش)
(1) تخفيفه: بتسكين عينه وهى الياء. وإنما يخفف على هذا الوجه مكسور العين أو مضمومها. (*)
ص 294
أحدها: أن تكون حرفا ناصبا للمستثنى بمنزلة إلا نحو أتونى ليس زيدا والصحيح أنها الناسخة، وأن اسمها ضمير راجع للبعض المفهوم مما تقدم، واستتاره واجب، فلا يليها في اللفظ إلا المنصوب، وهذه المسألة كانت سبب قراءة سيبويه للنحو (1)، وذلك أنه جاء إلى حماد بن سلمة لكتابة الحديث، فاستملى منه قوله صلى الله عليه وسلم ليس من أصحابي أحد إلا ولو شيءت لاخذت عليه ليس أبا الدوداء فقال سيبويه: ليس أبو الدرداء، فصاح به حماد: لحنت يا سيبويه، إنما هذا استثناء، فقال سيبويه: والله لاطلبن علما لا يلحننى معه أحد، ثم مضى ولزم الخليل وغيره. والثانى: أن يقترن الخبر بعدها بإلا نحو ليس الطيب إلا المسك بالرفع، فإن بنى تميم يرفعونه حملا لها على ما في الاهمال عند انتقاض النفى، كما حمل أهل الحجاز ما على ليس في الاعمال عند استيفاء شروطها، حكى ذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء، فبلغ ذلك عيسى بن عمر الثقفى، فجاءه فقال (له): يا أبا عمرو ما شيء بلغني عنك ؟ ثم ذكر ذلك له، فقال له أبو عمرو: نمت وأدلج الناس، ليس في الارض تميمي إلا وهو يرفع، ولا حجازى إلا وهو ينصب، ثم قال لليزيدي ولخلف الاحمر: اذهبا إلى أبى مهدى فلقناه الرفع فإنه لا يرفع، وإلى المنتجع التميمي فلقناه النصب فإنه لا ينصب، فأتياهما وجهدا بكل منهما أن يرجع عن لغته فلم يفعل، فأخبرا أبا عمرو وعنده عيسى، فقال له عيسى: بهذا فقت الناس. وخرج الفارسى ذلك على أوجه: أحدها: أن في ليس ضمير الشأن، ولو كان كما زعم لدخلت إلا على أول الجملة الاسمية الواقعة خبرا فقيل: ليس إلا الطيب المسك، كما قال:
(هامش)
(1) في نسخة سببا في قراءة سيبويه النحو . (*)
ص 295
487 - ألا ليس إلا ما قضى الله كائن * وما يستطيع المرء نفعا ولا ضرا وأجاب بأن إلا قد توضع في غير موضعها مثل (إن نظن إلا ظنا) وقوله: 288 - * وما اغتره الشيب إلا اغترارا * أي إن نحن إلا نظن ظنا، وما اغتره اغترارا إلا الشيب، لان الاستثناء المفرغ لا يكون في المفعول المطلق التوكيدى، لعدم الفائدة فيه. وأجيب بأن المصدر في الآية والبيت نوعي على حذف الصفة، أي إلا ظنا ضعيفا وإلا اغترارا عظيما والثانى: أن الطيب اسمها، وأن خبرها محذوف، أي في الوجود، وأن المسك بدل من اسمها، الثالث: أنه كذلك، ولكن إلا المسك نعت للاسم، لان تعريفه تعريف الجنس [فهو نكرة معنى] أي ليس طيب غير المسك طيبا. ولابي نزار الملقب بملك النحاة توجيه آخر، وهو أن الطيب اسمها، والمسك مبتدأ حذف خبره، والجملة خبر ليس، والتقدير: إلا المسك أفخره. وما تقدم من نقل أبى عمرو أن ذلك لغة تميم يرد هذه التأويلات. وزعم بعضهم عن قائل ذلك أنه قدرها حرفا، وأن من ذلك قولهم ليس خلق الله مثله وقوله: 489 - هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها * وليس منها شفاء النفس مبذول ولا دليل فيهما: لجواز كون ليس فيهما شانية. وضع الثالث: أن تدخل على الجملة الفعلية، أو على المبتدأ والخبر مرفوعين كما مثلنا، وقد أجبنا عن ذلك.
ص 296
الرابع: أن تكون حرفا عاطفا، أثبت ذلك الكوفيون أو البغداديون، على خلاف بين النقلة، واستدلوا بنحو قوله: 490 - أين المفر والاله الطالب * والاشرم المغلوب ليس الغالب وخرج على أن الغالب اسمها والخبر محذوف، قال ابن مالك: وهو في الاصل ضمير متصل عائد على الاشرم، أي ليسه الغالب، كما تقول الصديق كانه زيد ثم حذف لاتصاله. ومقتضى كلامه أنه لولا تقديره متصلا لم يجز حذفه، وفيه نظر.
حرف الميم
(ما)
تأتى على وجهين: اسمية، وحرفية، وكل منهما ثلاثة أقسام. فأما أوجه الاسمية. فأحدها: أن تكون معرفة، وهى نوعان: ناقصة، وهى الموصولة، نحو (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) وتامة، وهى نوعان: عامة أي مقدرة بقولك الشيء، وهى التى لم يتقدمها اسم تكون هي وعاملها صفة له في المعنى نحو (إن تبدو الصدقات فنعما هي) أي فنعم الشيء هي، والاصل فنعم الشيء إبداؤها، لان الكلام في الابداء لا في الصدقات، ثم حذف المضاف وأنيب عنه المضاف إليه، فانفصل وارتفع وخاصة هي التى تقدمها ذلك، وتقدر من لفظ ذلك الاسم نحو غسلته غسلا نعما و دققته دقا نعما أي نعم الغسل ونعم الدق، وأكثرهم لا يثبت مجيء ما معرفة تامة، وأثبته جماعة منهم ابن خروف ونقله عن سيبويه. والثانى: أن تكون نكرة مجردة عن معنى الحرف، وهى أيضا نوعان: ناقصة، وتامة.
ص 297
فالناقصة هي الموصوفة، وتقدر بقولك شيء كقولهم مررت بما معجب لك أي بشيء معجب لك، وقوله: 491 - لما نافع يسعى اللبيب، فلا تكن * لشيء بعيد نفعه الدهر ساعيا وقول الآخر: 492 - ربما تكره النفوس من الام * - ر له فرجة كحل العقال أي رب شيء تكرهه النفوس، فحذف العائد من الصفة إلى الموصوف. ويجوز أن تكون ما كافة، والمفعول المحذوف اسما ظاهرا، أي قد تكره النفوس من الامر شيءا، أي وصفا فيه، أو الاصل: أمرا من الامور (1)، وفى هذا إنابة المفرد عن الجمع، وفيه وفى الاول إنابة الصفة غير المفردة عن الموصوف، إذ الجملة بعده صفة له، وقد قيل في (إن الله نعما يعظكم به): إن المعنى نعم هو شيءا يعظكم به، فما نكرة تامة تمييز، والجملة صفة، والفاعل مستتر، وقيل: ما معرفة موصولة فاعل، والجملة صلة، وقيل غير ذلك، وقال سيبويه في (هذا ما لدى عتيد): المراد شيء لدى عتيد، أي معد أي لجهنم بإغوائى إياه، أو حاضر، والتفسير الاول رأى الزمخشري، وفيه أن ما حينئذ للشخص العاقل، وإن قدرت ما موصولة فعتيد بدل منها، أو خبر ثان، أو خبر لمحذوف. والتامة تقع في ثلاثة أبواب: أحدها: التعجب، نحو ما أحسن زيدا المعنى شيء حسن زيدا، جزم بذلك جميع البصريين، لا الاخفش فجوزه، وجوز أن تكون معرفة موصولة والجملة بعدها صلة لا محل لها، وأن تكون نكرة موصوفة والجملة بعدها في موضع رفع نعتا لها، وعليهما فخبر المبتدأ محذوف وجوبا، وتقديره شيء عظيم ونحوه.
(هامش)
(1) في نسخة من الامور أمرا . (*)
ص 298
الثاني: باب نعم وبئس، نحو غسلته غسلا نعما، ودققته دقا نعما أي نعم شيءا، فما: نصب على التمييز عند جماعة من المتأخرين منهم الزمخشري، وظاهر كلام سيبويه أنها معرفة تامة كما مر. والثالث: قولهم إذا أرادوا المبالغة في الاخبار عن أحد بالاكثار من فعل كالكتابة إن زيدا مما أن يكتب أي أنه من أمر كتابة، أي أنه مخلوق من أمر وذلك الامر هو الكتابة، فما بمعنى شيء، وأن وصلتها في موضع خفض بدل منها، والمعنى بمنزلته في (خلق الانسان من عجل) جعل لكثرة عجلته كأنه خلق منها، وزعم السيرافى وابن خروف وتبعهما ابن مالك ونقله عن سيبويه أنها معرفة تامة بمعنى الشيء أو الامر، وأن وصلتها مبتدأ، والظرف خبره، والجملة خبر لان، ولا يتحصل للكلام معنى طائل على هذا التقدير. والثالث: أن تكون نكرة مضمنة معنى الحرف، وهى نوعان: أحدهما: الاستفهامية، ومعناها أي شيء، نحو (ما هي) (ما لونها) (وما تلك بيمينك) (قال موسى ما جئتم به السحر) وذلك على قراءة أبى عمرو (السحر) بمد الالف، فما: مبتدأ، والجملة بعدها خبر، والسحر: إما بدل من ما، ولهذا قرن بالاستفهام، وكأنه قيل: السحر جئتم به، وإما بتقدير أهو السحر، أو السحر هو، وأما من قرأ (السحر) على الخبر فما موصولة، والسحر خبرها، ويقويه قراءة عبد الله (ما جئتم به سحر). ويجب حذف ألف ما الاستفهامية إذا جرت وإبقاء الفتحة دليلا عليها، نحو فيم وإلام وعلام [وبم] وقال: 493 - فتلك ولاة السوء قد طال مكثهم * فحتام حتام العناء المطول ؟ وربما تبعت الفتحة الالف في الحذف، وهو مخصوص بالشعر، كقوله:
ص 299
494 - يا أبا الاسود لم خلفتني لهموم طارقات وذكر وعلة حذف الالف الفرق بين الاستفهام والخبر، فلهذا حذفت في نحو (فيم أنت من ذكراها) (فناظرة بم يرجع المرسلون) (لم تقولون ما لا تفعلون) وثبتت في (لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم) (يؤمنون بما أنزل إليك) (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدى) وكما لا تحذف الالف في الخبر لا تثبت في الاستفهام، وأما قراءة عكرمة وعيسى (عما يتساءلون) فنادر، وأما قول حسان: 495 - على ما قام يشتمني لئيم * كخنزير تمرغ في دمان فضرورة، والدمان كالرماد وزنا ومعنى، ويروى في رماد فلذلك رجحته على تفسير ابن الشجرى له بالسرجين، ومثله قول الآخر: 496 - إنا قتلنا بقتلانا سراتكم * أهل اللواء ففيما يكثر القيل ولا يجوز حمل القراءة المتواترة على ذلك لضعفه، فلهذا رد الكسائي قول المفسرين في (بما غفر لى ربى) إنها استفهامية، وإنما هي مصدرية، والعجب من الزمخشري إذ جوز كونها استفهامية مع رده على من قال في (بما أغويتني) إن المعنى بأى شيء أغويتني بأن إثبات الالف قليل شاذ، وأجاز هو وغيره أن تكون بمعنى الذى، وهو بعيد، لان الذى غفر له هو الذنوب، ويبعد إرادة الاطلاع عليها، وإن غفرت، وقال جماعة منهم الامام فخر الدين في (فبما رحمة من الله) إنها للاستفهام التعجبى، أي فبأى رحمة، ويرده ثبوت الالف، وأن خفض رحمة حينئذ لا يتجه، لانها لا تكون بدلا من ما، إذ المبدل من اسم
ص 300
(ماذا)
الاستفهام يجب اقترانه بهمزة الاستفهام نحو ما صنعت أخيرا أم شرا ولان ما النكرة الواقعة في غير الاستفهام والشرط لا تستغنى عن الوصف، إلا في بابى التعجب ونعم وبئس، وإلا في نحو قولهم إنى مما أن أفعل على خلاف فيهن، وقد مر، ولا عطف بيان، لهذا، ولان ما الاستفهامية لا توصف، وما لا يوصف كالضمير لا يعطف عليه عطف بيان، ولا مضافا إليه، لان أسماء الاستفهام وأسماء الشرط والموصولات لا يضاف منها غير أي باتفاق، وكم في الاستفهام عند الزجاج في نحو بكم درهم اشتريت والصحيح أن جره بمن محذوفة. وإذا ركبت ما الاستفهامية مع ذا لم تحذف ألفها نحو لماذا جئت لان ألفها قد صارت حشوا. وهذا فصل عقدته [في] لماذا أعلم أنها تأتى في العربية على أوجه: أحدها: أن تكون ما استفهامية وذا إشارة نحو ماذا التواني؟ وماذا الوقوف؟ . والثانى: أن تكون ما استفهامية وذا موصولة، كقول لبيد: 497 - لا تسألان المرء ماذا يحاول * أتحب فيقضى أم ضلال وباطل ؟ فما مبتدأ، بدليل إبداله المرفوع منها، وذا: موصول، بدليل افتقاره للجملة بعده، وهو أرجح الوجهين في (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) فيمن رفع العفو، أي الذى ينفقونه العفو، إذ الاصل أن تجاب الاسمية بالاسمية والفعلية بالفعلية.
ص 301
الثالث: أن يكون ماذا كله استفهاما على التركيب كقولك لماذا جئت ؟ وقوله: 498 - يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم * [لا يستفقن إلى الديرين تحنانا ؟] وهو أرجح الوجهين في الآية في قراءة غير أبى عمرو (قل العفو) بالنصب، أي ينفقون العفو. الرابع: أن يكون ماذا كله اسم جنس بمعنى شيء، أو موصولا بمعنى الذى، على خلاف في تخريج قول الشاعر: 499 - دعى ماذا علمت سأتقيه ولكن بالمغيب نبئيني [ص 302] فالجمهور على أن ماذا كله مفعول دعى، ثم اختلف فقال السيرافى وابن خروف: ما موصول بمعنى الذى، وقال الفارسى: نكرة بمعنى شيء، قال: لان التركيب ثبت في الاجناس دون الموصولات. وقال ابن عصفور: لا تكون ماذا مفعولا لدعى، لان الاستفهام له الصدر، ولا لعلمت، لانه لم يرد أن يستفهم عن معلومها ما هو، ولا لمحذوف يفسره سأتقيه، لان علمت حينئذ لا محل لها، بل ما اسم استفهام مبتدأ، وذا موصول خبر، وعلمت صلة، وعلق دعى عن العمل بالاستفهام، انتهى. ونقول: إذا قدرت ماذا بمعنى الذى أو بمعنى شيء لم يمتنع كونها مفعول دعى، وقوله لم يرد أن يستفهم عن معلومها لازم له إذا جعل ماذا مبتدأ وخبرا، ودعواه تعليق دعى مردودة بأنها ليست من أفعال القلوب، فإن قال: إنما أردت أنه قدر الوقف على دعى فاستأنف ما بعده رده قول الشاعر ولكن فإنها لابد أن يخالف ما بعدها ما قبلها، والمخالف هنا دعى، فالمعنى دعى كذا، ولكن أفعلى كذا، وعلى هذا فلا يصح استئناف ما بعد
ص 302
دعى، لانه لا يقال: من في الدار فإننى أكرمه ولكن أخبرني عن كذا. الخامس: أن تكون ما زائدة وذا للاشارة كقوله: 500 - أنورا سرع ماذا يا فروق * [وحبل الوصل منتكث حذيق] أنورا بالنون أي أنفارا، سرع: أصله بضم الراء فخفف، يقال: سرع ذا خروجا، أي أسرع هذا في الخروج، قال الفارسى: يجوز كون ذا فاعل سرع، وما زائدة، ويجوز كون ماذا كله اسما كما في قوله: * دعى ماذا علمت سأتقيه * [499] السادس: أن تكون ما استفهاما وذا زائدة، أجازه جماعة منهم ابن مالك في نحو ماذا صنعت وعلى هذا التقدير فينبغي وجوب حذف الالف في نحو لم ذا جئت والتحقيق أن الاسماء لا تزاد. النوع الثاني: الشرطية، وهى نوعان: غير زمانية نحو (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) (ما ننسخ من آية) وقد جوزت في (وما بكم من نعمة فمن الله) على أن الاصل وما يكن، ثم حذف فعل الشرط كقوله: 501 - إن العقل في أموالنا لا نصق بها ذراعا، وإن صبرا فنصبر للصبر أي إن يكن العقل وإن نحبس حبسا، والارجح في الآية أنها موصولة، وأن الفاء داخلة على الخبر، لا شرطية والفاء داخلة على الجواب. وزمانية، أثبت ذلك الفارسى وأبو البقاء وأبو شامة وابن برى وابن مالك، هو ظاهر في قوله تعالى: (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) أي استقيموا لهم مدة استقامتهم لكم، ومحتمل في (فما استمتعتم به منهن فاتوهن أجورهن)
ص 303
إلا أن ما هذه مبتدأ لا ظرفية، والهاء من به راجعه إليها، ويجوز فيها الموصولية وفآتوهن الخبر، والعائد محذوف أي لاجله، وقال: 502 - فما تك يا ابن عبد الله فينا * فلا ظلما نخاف ولا افتقارا استدل به ابن مالك على مجيئها للزمان، وليس بقاطع، لاحتماله للمصدر أي للمفعول المطلق، فالمعنى: أي كون تكن فينا طويلا أو قصيرا. وأما أوجه الحرفية، فأحدها: أن تكون نافية، فإن دخلت على الجملة الاسمية أعملها الحجازيون والتهاميون والنجديون عمل ليس بشروط معروفة نحو (ما هذا بشرا) (ما هن أمهاتهم) وعن عاصم أنه رفع أمهاتهم على التميمية، وندر تركيبها مع النكرة تشبيها لها بلا كقوله: 503 - وما بأس لوردت علينا تحية * قليل على من يعرف الحق عابها وإن دخلت على الفعلية لم تعمل نحو (وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله) فأما (وما تنفقوا من خير فلانفسكم) (وما تنفقوا من خير يوف إليكم) فما فيهما شرطية، بدليل الفاء في الاولى والجزم في الثانية، وإذا نفت المضارع تخلص عند الجمهور للحال، ورد عليهم ابن مالك بنحو (قل ما يكون لى أن أبدله) وأجيب بأن شرط كونه للحال انتفاء قرينة خلافه. والثانى: أن تكون مصدرية، وهى نوعان: زمانية، وغيرها. فغير الزمانية نحو (عزيز عليه ما عنتم) (ودوا ما عنتم) (وضاقت عليهم الارض بما رحبت) (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا) (لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) (ليجزيك أجر ما سقيت لنا)
ص 304
وليست هذه بمعنى الذى، لان الذى سقاه لهم الغنم، وإنما الاجر على السقى الذى هو فعله، لا على الغنم، فإن ذهبت تقدر أجر السقى الذى سقيته لنا فذلك تكلف لا محوج إليه، ومنه (بما كانوا يكذبون) (آمنوا كما آمن الناس) وكذا حيث اقترنت بكاف التشبيه بين فعلين متماثلين، وفى هذه الآيات رد لقول السهيلي: إن الفعل بعد ما هذه لا يكون خاصا، فتقول أعجبني ما تفعل ولا يجوز أعجبني ما تخرج . والزمانية نحو (ما دمت حيا) أصله مدة دوامى حيا، فحذف الظرف وخلفته ما وصلتها كما جاء في المصدر الصريح نحو جئتك صلاة العصر و آتيك قدوم الحاج ومنه (إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت) (فاتقوا الله ما استطعتم)، وقوله: 504 - أجارتنا إن الخطوب تنوب * وإنى مقيم ما أقام عسيب ولو كان معنى كونها زمانية أنها تدل على الزمان بذاتها لا بالنيابة لكانت اسما ولم تكن مصدرية كما قال ابن السكيت وتبعه ابن الشجرى في قوله: 505 - منا الذى هو ما إن طر شاربه * والعانسون ومنا المرد والشيب معناه حين طر، قلت: وزيدت إن بعدها لشبهها في اللفظ بما النافية كقوله: ورج الفتى للخير ما إن رأيته * على السن خيرا لا يزال يزيد [27] وبعد فالاولى في البيت تقدير ما نافية: لان زيادة إن حينئذ قياسية، ولان فيه سلامة من الاخبار بالزمان عن الجثة، ومن إثبات معنى واستعمال لما لم يثبتا له - وهما كونها للزمان مجردة، وكونها مضافة - وكأن الذى صرفهما عن هذا الوجه مع ظهوره أن ذكر المرد بعد ذلك لا يحسن، إذ الذى لم ينبت شاربه أمرد، والبيت عندي فاسد التقسيم بغير هذا، ألا ترى أن العانسين - وهم الذين لم يتزوجوا - لا يناسبون بقية الاقسام، وإنما